حسني مبارك: تاريخ حكم وتحولات

حسني مبارك: مسيرة حافلة وتحولات تاريخية

حسني مبارك، الرئيس المصري الذي تولى حكم جمهورية مصر العربية لمدة تقارب الثلاثين عامًا، يعد أحد أبرز الشخصيات السياسية في التاريخ المعاصر. منذ صعوده إلى سدة الحكم في عام 1981 وحتى تنحيه عن رئاسة الجمهورية في 2011، لعب مبارك دورًا محوريًا في السياسة المصرية والإقليمية، حيث شهدت مصر تحت حكمه العديد من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعضها كان مثيرًا للجدل، والبعض الآخر كان ذا تأثير بعيد المدى على استقرار المنطقة.

نشأته وتكوين شخصيته العسكرية

وُلد حسني مبارك في 4 مايو 1928 في قرية كفر المصيلحة بمحافظة المنوفية شمال مصر. ينتمي إلى أسرة متوسطة الحال، وكان والده موظفًا حكوميًا. منذ طفولته، كان مبارك يتمتع بذكاء حاد وعزيمة قوية، وهو ما أهله للالتحاق بأكاديمية القوات الجوية، حيث تخرج منها برتبة ملازم ثاني في عام 1950. استمر في صعوده داخل الجيش المصري، ليُصبح أحد أبرز ضباط القوات الجوية.

تجربته العسكرية كانت محورية في تكوين شخصيته، إذ أتاح له العمل في سلك القوات الجوية المشاركة في العديد من العمليات العسكرية الهامة، أبرزها حرب 1956 وحرب 1967 وحرب أكتوبر 1973. في حرب أكتوبر، لعب مبارك دورًا مهمًا كقائد للقوات الجوية المصرية، وكان له الفضل الكبير في تحقيق التفوق الجوي خلال المعركة.

توليه منصب نائب الرئيس

في عام 1975، عُين حسني مبارك نائبًا للرئيس أنور السادات بعد تعيينه في منصب نائب الرئيس، وهو المنصب الذي شغله حتى حادثة اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981. كانت وفاة السادات بمثابة نقطة تحول تاريخية في مسيرة مبارك السياسية. فقد جاء انتخابه رئيسًا في أعقاب اغتيال السادات، ليخلفه في منصب الرئاسة في 14 أكتوبر 1981.

حكم مبارك: التحديات والإنجازات

في السياسة الداخلية

تمكن مبارك من استعادة الاستقرار السياسي بعد اغتيال السادات، الذي أحدث صدمة داخل البلاد وأدى إلى حالة من التوتر الداخلي. كان أولى أولويات مبارك هي تحقيق الاستقرار الأمني، وهو ما بدأ فيه بسرعة، حيث نفذ حملة واسعة للقضاء على الجماعات الإرهابية التي كانت قد ظهرت بعد اغتيال السادات.

من الناحية الاقتصادية، بدأ مبارك في تطبيق بعض الإصلاحات الاقتصادية التي استهدفت تحرير الاقتصاد المصري من القيود الاشتراكية التي فرضها النظام السابق. تم تنفيذ بعض برامج الخصخصة وتحسين العلاقة مع مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي. ولكن رغم هذه الإصلاحات، شهدت البلاد زيادة في معدلات الفقر، وعدم المساواة الاجتماعية، إضافة إلى تفشي البطالة.

في السياسة الخارجية

سياسيًا، عمل مبارك على الحفاظ على علاقات مصر مع العالم العربي، وخاصة دول الخليج العربي. كانت فترة حكمه هي فترة قوية في العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، حيث سعى إلى استقرار العلاقات الدبلوماسية التي بدأها السادات مع الولايات المتحدة الأمريكية. كما لعب مبارك دورًا بارزًا في عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث استضافت مصر العديد من المفاوضات المهمة، مثل اتفاقات كامب ديفيد بين إسرائيل والفلسطينيين، وشارك في مؤتمرات عديدة مثل مؤتمر مدريد للسلام.

لكن السياسة الخارجية لم تخلُ من التحديات. فقد كان هناك استمرار للخلافات مع بعض القوى الإقليمية، مثل إيران بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، كما كانت العلاقات مع الدول العربية في بعض الأحيان متوترة بسبب ملفات مثل الصراع العربي الإسرائيلي.

في المجال الاجتماعي

من الناحية الاجتماعية، شهدت مصر في عهد مبارك تقدمًا في العديد من المجالات، لكن هذه التقدمات كانت محدودة. كان التعليم من أولويات الدولة، حيث تم توجيه جزء كبير من الميزانية العامة لتعزيز النظام التعليمي، ولكن رغم ذلك، كانت هناك انتقادات بشأن نوعية التعليم وجودته. كما كان هناك تحسن نسبي في البنية التحتية، خاصة في المناطق الحضرية.

لكن في الوقت نفسه، تصاعدت مشاعر الاستياء من قِبَل قطاعات واسعة من الشعب بسبب تفشي الفساد داخل النظام السياسي، وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهو ما كان يشكل تحديًا مستمرًا لحكم مبارك.

ثورة 25 يناير 2011

رغم العقود الثلاثة التي أمضاها مبارك في الحكم، فقد كانت فترة حكمه تقترب من نهايتها بشكل مفاجئ في عام 2011. في يناير من نفس العام، شهدت مصر حركة احتجاجات ضخمة كان من أبرز مطالبها إسقاط النظام، وتحقيق إصلاحات سياسية، ومكافحة الفساد. كانت ثورة 25 يناير بمثابة نقطة فارقة في تاريخ مصر الحديث. على الرغم من محاولات النظام قمع الاحتجاجات، إلا أن الضغط الشعبي، خاصة بعد انضمام العديد من القوى السياسية والعمالية والمهنية، أدت في النهاية إلى تنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011.

بعد التنحي

بعد تنحيه عن السلطة، واجه حسني مبارك العديد من المحاكمات، وذلك بتهم فساد وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بتورط حكومته في قمع المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير. في عام 2012، تم محاكمة مبارك بتهم فساد، حيث تم إدانته، ولكن الحكم عليه بالسجن لم يكن طويل الأمد. في السنوات التالية، عاد مبارك إلى الحياة الخاصة بعد أن أصبح جزءًا من تاريخ مصر الحديث.

تقييم حكم مبارك

على الرغم من استمراره في السلطة لفترة طويلة، فإن حكم مبارك لا يُعدُّ خاليًا من الجدل. يمكن اعتبار فترة حكمه فترة من الاستقرار النسبي على الصعيدين الداخلي والخارجي، لكن هذا الاستقرار كان قائمًا على قمع المعارضين، والتحكم الصارم في الحياة السياسية، وعدم وجود منافسة حقيقية. إن النظام الذي أسسه مبارك كان يعتمد بشكل كبير على جهاز الأمن، وكان يشهد نوعًا من التقوقع السياسي، حيث كان معظم السلطة في يديه، مع تهميش كبير للأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

فيما يخص الاقتصاد، يمكن القول إن مبارك نجح في تحقيق بعض الإصلاحات الاقتصادية التي ساعدت على زيادة معدلات النمو في بعض الفترات. ولكن على الرغم من ذلك، بقيت معدلات الفقر مرتفعة، وظهرت الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تجلت في زيادة الأسعار، وتدهور الخدمات العامة، وانتشار الفساد في مختلف المؤسسات الحكومية.

الخلاصة

حسني مبارك هو شخصية سياسية بارزة في التاريخ المصري الحديث. إن فترة حكمه شهدت العديد من التطورات الهامة على المستويين الداخلي والخارجي، ورغم أن حكمه كان يحمل الكثير من الاستقرار الأمني والسياسي، فإنه كان مشوبًا بالكثير من القضايا المثيرة للجدل، مثل الفساد وتدني مستوى الديمقراطية. تنحيه عن السلطة كان بمثابة نقطة تحول تاريخية في مصر والمنطقة، حيث دفعت الثورة الشعبية إلى إعادة تشكيل النظام السياسي في مصر.